فصل: المسألة الرابعة: في فضائل الحجاب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: حراسة الفضيلة **


 خلاصة وتنبيه

أما الخلاصة ‏:‏ فمما تقدم يَعْلَمُ كلُّ من نوَّر الله بصيرته فرضَ الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، بأدلة ظاهرة الدلالة من الوحي المعصوم من القرآن والسنة، وبدلالة القياس الصحيح، والاعتبار الرجيح للقواعد الشرعية العامة، ولذا جرى على موجبه عمل نساء المؤمنين من عصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يومنا هذا في جزيرة العرب وغيرها من بلاد المسلمين، وأن السفور عن الوجه الذي يشاهد اليوم في عامة أقطار العالم الإسلامي هو بداية ما حل به من الحسور عن كثير من البدن، وعن كل الزينة إلى حدِّ الخلاعة والعري والتهتك والتبرج والتفسخ، المسمى في عصرنا باسم ‏:‏ السفور، وأن هذا البلاء حادث لم يحصل إلا في بدايات القرن الرابع عشر للهجرة على يد عدد من نصارى العرب والمستغربين من المسلمين، ومن تنصر منهم بعد الإسلام، كما بُيِّن في ‏(‏الفصل الثاني‏)‏ ‏.‏

لهذا ‏!‏‏!‏ فيجب على المؤمنين الذي مسَّ نساءهم طائف من السفور أو الحسور أو التكشف أن يتقوا الله، فيحجبوا نساءهم بما أمر الله به بالجلباب ـ العباءة ـ والخمار، وأن يأخذوا بالأسباب اللازمة لأطرهنَّ وتثبيتهن عليه، لما أوجبه الله على أوليائهن من القيام الذي أساسه‏:‏ الغيرة الإسلامية، والحميَّة الدينية، ويجب على نساء المؤمنين الاستجابة للحجاب -العباءة- والخمار، طواعية لله ولرسوله ‏(‏وتأسيًا بأمهات المؤمنين ونسائه، والله ولي الصالحين من عباده وإمائه‏.‏

أما التنبيه والتحذير‏:‏ فيجب على كل مؤمن ومؤمنة بهذا الدين الحذر الشديد من دعوات أعدائه من داخل الصف أو خارجه الرامية إلى التغريب، وإخراج نساء المؤمنين من حجابهن تاجِ العفة والحصانة إلى السفور والتكشف والحسور، ورميهنّ في أحضان الرجال الأجانب عنهن، وأن لا يغتروا ببعض الأقاويل الشاذة، التي تخترق النصوص، وتهدم الأصول، وتنابذ المقاصد الشرعية من طلب العفة والحصانة وحفظهما، وصد عاديات التبرج والسفور والاختلاط، الذي حلَّ بديار القائلين بهذا الشذوذ ‏.‏

ونقول لكل مؤمن ومؤمنة‏:‏ فيما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة السفور دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة السفور عن الوجه والكفين لا يخلو من حال من ثلاث حالات‏:‏

1ـ دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ‏.‏

2ـ دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين كسائر البدن والزينة، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم ‏.‏

3ـ دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان ‏.‏

هذا مع أنه لم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين، وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما، كما نقله غير واحد من العلماء ‏.‏

وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا، فهي موجبة لسترهما، لو لم يكن أدلة أخرى‏.‏

وإن من الخيانة في النقل نسبةَ هذا القول إلى قائل به مطلقًا غير مقيد، لتقوية الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن في هذا العصر، مع ما هو مشاهد من رقة الدين والفساد الذي غَشِيَ بلاد المسلمين ‏.‏

والواجب أصلًا هو ستر المرأة بدنها وما عليه من زينة مكتسبة، لا يجوز لها تعمد إخراج شيء من ذلك لأجنبي عنها، استجابةً لأمر الله سبحانه وأمر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهدي الصحابة مع نسائهم، وعمل المسلمين عليه في قرون الإسلام المتطاولة‏.‏ والحمد لله رب العالمين ‏.‏

 المسألة الرابعة‏:‏ في فضائل الحجاب

تعبَّد اللهُ نساء المؤمنين بفرض الحجاب عليهن، الساتر لجميع أبدانهن وزينتهن، أمام الرجال الأجانب عنهن، تعبدًا يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ولهذا كان هتكه من الكبائر الموبقات، ويجر إلى الوقوع في كبائر أخرى، مثل‏:‏ تعمّد إبداء شيء من البدن، وتعمّد إبداء شيء من الزينة المكتسبة، والاختلاط، وفتنة الاخرين، إلى غير ذلك من آفات هتك الحجاب ‏.‏

فعلى نساء المؤمنين الاستجابة إلى الالتزام بما افترضه الله عليهن من الحجاب والستر والعفة والحياء طاعةً لله تعالى، وطاعة لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله عز شأنه‏:‏ ‏{‏وَما كانَ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضَى الله ورسولُهُ أمرًا أن يُّـكون لهم الخيرَةُ من أمرهمْ ومن يَّـعصِ الله ورسوله فقدْ ضلَّ ضلالًا مبينًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 36‏]‏ ‏.‏ كيف ومن وراء افتراضه حكم وأسرار عظيمة، وفضائل محمودة، وغايات ومصالح كبيرة، منها ‏:‏

1ـ حفظ العِرض ‏:‏ الحجاب حِرَاسةٌ شرعية لحفظ الأعراض، ودفع أسباب الرِّيبة والفتنة والفساد ‏.‏

2ـ طهارة القلوب‏:‏ الحجاب داعية إلى طهارة قلوب المؤمنين والمؤمنات، وعمارتها بالتقوى، وتعظيم الحرمات، وصَدَق الله سبحانه ‏:‏ ‏{‏ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 53‏]‏‏.‏

3ـ مكارم الأخلاق ‏:‏ الحجاب داعية إلى توفير مكارم الأخلاق من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، والحجب لمساويها من الـتَلوُّث بالشَّائِنات كالتبذل والتهتك والسُّفالة والفساد ‏.‏

4ـ علامة على العفيفات ‏:‏ الحجاب علامة شرعية على الحرائر العفيفات في عفتهن وشرفهن، وبعدهن عن دنس الريبة والشك ‏:‏ ‏{‏ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 59‏]‏ ، وصلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وإن العفاف تاج المرأة، وما رفرفت العفة على دارٍ إلا أكسبتها الهناء ‏.‏

ومما يستطرف ذكره هنا ‏:‏ أن النُّميري لما أنشد عند الحجاج قوله ‏:‏

يُخمِّرْنَ أطراف البنان من التُّقى ** ويَخْرجن جُنحَ الليل معـتجرات

قال الحجاج‏:‏ وهكذا المرأة الحرة المسلمة ‏.‏

5 ـ قطع الأطماع والخواطر الشيطانية‏:‏ الحجاب وقاية اجتماعية من الأذى، وأمراض قلوب الرجال والنساء، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكف الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها، ووقاية من رمي المحصنات بالفواحش، وَإِدباب قالة السوء، ودَنَس الريبة والشك، وغيرها من الخطرات الشيطانية ‏.‏

ولبعضهم ‏:‏

حُورٌ حـرائر ما هَمَمْنَ بِريبةٍ ** كَظِبَاء مَـكَّة صيدهنَّ حـرامُ

6 ـ حفظ الحياء‏:‏ وهو مأخوذ من الحياة، فلا حياة بدونه، وهو خلُق يودعه الله في النفوس التي أراد سبحانه تكريمها، فيبعث على الفضائل، ويدفع في وجوه الرذائل، وهو من خصائص الإنسان، وخصال الفطرة، وخلق الإسلام، والحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو من محمود خصال العرب التي أقرها الإسلام ودعا إليها، قال عنترة العبسي‏:‏

وأَغضُّ طَرفي إن بَدَت لي جارتي ** حتى يُواري جـارتي مأواهـا

فآل مفعول الحياء إلى التحلي بالفضائل، وإلى سياج رادع، يصد النفس ويزجرها عن تطورها في الرذائل ‏.‏

وما الحجاب إلا وسيلة فعالة لحفظ الحياء، وخلع الحجاب خلع للحياء ‏.‏

7ـ الحجاب يمنع نفوذ التبرج والسفور والاختلاط إلى مجتمعات أهل الإسلام ‏.‏

8ـ الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناءً لكل والغ‏.‏

9ـ المرأة عورة، والحجاب ساتر لها، وهذا من التقوى، قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 26‏]‏، قال عبد الرحمن بن أسلم رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية‏:‏ ‏(‏يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى‏)‏‏.‏

وفي الدعاء المرفوع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ‏)‏ رواه أبو داود وغيره ‏.‏

10ـ حفظ الغيرة ‏:‏ وبيانها مفصلًا إن شاء الله في الأصل العاشر ‏.‏